فصل: ومات فيها من الأعيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك (نسخة منقحة)



.سنة تسع وثلاثين وسبعمائة:

في أول المحرم: قبض على امرأة خناقة، وقتلت.
وفيها قدم رسل الملك أزبك صحبة الأمير سرطقطاي مقدم البريدية بهدية وكتاب يطلب فيه مصاهرة السلطان، فجهزت إليه هدية، وأنعم على رسله وأعيدوا وكان سرطقطاي قد توجه رسولاً إلى أزبك سنة سبع وثلاثين وسبعمائة.
وفيها قدم الخبر بأن القان الكبير عزم على المسير إلى العراقين، وقدم أمامه عسكراً ليسير إذا أخذ العراق إلى الشام. فسار ثماني مراحل، وبعث الله على ذلك العسكر ريحاً سوداء، ثم صارت زرقاء تشتعل ناراً، فيسقط الفارس وفرسه ميتين عند هبوبها، وتمادى هبوبها يومين، وكانوا زيادة على مائة ألف فارس، فلم يرجع منهم إلى القان إلا نحو عشرة آلاف وهلك باقيهم. فسر السلطان بذلك.
وفيها قدم الملك الأفضل محمد بن المؤيد إسماعيل صاحب حماة باستدعاء السلطان، وقد كثرت شكاية الناس له من شغفه باللهو وأخذه أموال الرعية، وقد شفع فيه الأمير تنكز نائب الشام فقدم الأفضل للسلطان والأمراء تقادم جليلة، ثم سافر إلى بلده بعد ما وصاه السلطان بحضرة القضاة، وعدد ذنوبه، وأخبره أنه قبل فيه شفاعة نائب الشام، ثم خلع عليه وسفره.
وفيها اشترى بدر الدين أمين الحكم ملكاً لبعص الأيتام، فحضر إليه العلم القراريطي شاد القراريط يطلب منه موجب الديوان عن الملك المذكور، فأفضي الحال بينهما إلى مفاوضة. بمجلس قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، أطلق فيها العلم لسانه بما أوجب تعزيره، فانصرف إلى النشو وعرفه أنه لما طالب أمين الحكم بالقراريط عزره ابن جماعة وكشف رأسه، فحرك ذلك منه كامناً كان في نفسه من ابن جماعة، وبلغ السلطان ذلك، وشنع عليه بأن أمين الحكم لما امتنع من دفع القراريط عن الملك أخرج إليه العلم مرسوم السلطان وعليه محمد بن قلاوون، فأخذه منه ورماه بالأرض عند النعال، وقال: أتجعل في مجلس الحكم الباطل حقاً لتأخذ أموال الأيتام، ثم كشف رأسه وضربه بالدرة. فغضب السلطان وطلب أمين الحكم، وأمر طاجار الدوادار بضربه، فضربه على باب القصر بالقلعة والنشو جالس ضرباً مؤلماً وقطع أكمامه، وشهره بالقلعة ونودي عليه: هذا جزاء من يمنع الحقوق السلطانية، وألزم بحمل عشرين ألف درهم، ورسم عليه، فقام بخمسة عشر ألف درهم.
وفي شهر ربيع الأول: قبض على أوحد الدين شيخ خانكاه بيبرس وهو بالروضة تجاه مصر على حال غير مرض، وأخرج إلى القدس منفياً.
وفيها قدم الخبر بأن ابن دلغادر استولى على قلعة طرندة من بلاد الروم، وأخذ ما فيها من الأموال، وأن الأمير تنكز بعث إليها الأمير علاء الدين علي بن صبح. فسر السلطان بذلك، وبعث بتشريف لابن دلغادر، وشكره وأثنى عليه.
وفيه استقر الأمير بكتمر العلائي الأستادار في نيابة حمص، بعد وفاة الأمير جركتمر.
وفيه أخرج الأمير منكلي بغا الفخري إلى دمشق، واستقر من مقدمي الألوف بها.
وفيه أنعم على كل من قطليجا الحموي وطاجار الدوادار بإمرة طبلخاناه.
وفي ربيع الآخر: قدم الأمير ألطنبغا نائب حلب، وصحبته تقدمة جليلة، وأخلع جليلة عليه عند وصوله، وعزل عن نيابة حلب، واستقر من كبار الأمراء بالديار المصرية.
وفي تاسعه: سارت الحرة المغربية عائدة إلى بلادها، بعد قضاء حجها.
وفي حادي عشر جمادى الأول: قدم الأمير تنكز نائب الشام. وذلك أن ابنته التي تحت السلطان قرب وضع حملها، فكتب السلطان يستدعيه- ومعه أهله وأولاده- لأجل مهم ابنته وتقدم السلطان إلى النشو بعمل بشخاناه وداير بيت من حرير مخمل، ويزركشهما بمائة ألف دينار، وأمره أن يجهز خمسين تشريفاً للأمراء، منها ثلاثة وعشرين تشريفاً أطلس بحوائص ذهب كاملة، وبقيتها ما بين طرد وحش ومصمط، وطلب إليه أيضاً أن يجهز ما تحتاج إليه النفساء، وما يحتاج إليه من السروج ونحوها، وما يحتاج إليه المهم مما يبلغ زيادة على ثلاثمائة ألف دينار.
فأخذ النشو في التدبير لذلك، ورتب جهاته من ثمن سكر وعسل وقندر وقماش وخشب يطرحه على الناس، وعمل أوراقاً بمظالم اقترحها بلغت جلتها خمسمائة ألف دينار ومائة ألف أردب غلة، وأعلم بها السلطان من الغد. وطرح النشو ما عنده من البضائع على الناس بمصر والقاهرة، حتى زلزلهما بكثرة العقوبة، ولم يراع أحداً فخنق من ذلك الأمير الحاج، آل ملك، وبلغ السلطان ما نزل بالرعية من الظلم، فلولا ما كان من ملاطفة الأمراء في الحال لكان له وللسلطان شأن غير مرضي.
فلما قدم البريد بتوجه الأمير تنكز من غزة إلى القاهرة، بعث السلطان بالأمير قوصون إلى لقائه ومعه المطبخ، وركب السلطان إلى قصوره بسرياقوس ومعه أولاده فنزل قوصون السعيدية، وهيأ الأسمطة الجليلة، وتلقى الأمير تنكز وترجل إليه، فنزل الأمير تنكز أيضاً، ومشيا خطوات حتى تعانقا، وركبا إلى الخيمة التي نصبها السلطان للأمير تنكز. فلما انقضى السماط ركب تنكز فتلقاه أولا أولاد السلطان، فترجل لهم، ثم سار وهم معه، فتلقاه السلطان وأكرمه غاية الكرامة. ثم سار السلطان من الغد وطلع قلعة الجبل، وخلع عليه وعلى أولاده وأمرهم، فدخلوا وأهليهم إلى الدور.
وفيه رسم بخروج الأمير ألطنبغا نائب حلب إلى نيابة غزة وخلع عليه، فاتهم الأمير تنكز بأنه حمل السلطان على ذلك.
ونزل الأمير تنكز من القلعة إلى بيته بخط الكافوري من القاهره، وجهز به تقادم السلطان وتقادم الأمراء، وحملها من الغد، وكانت شيئاً يجل عن الوصف: فيها من صنف الجوهر ما قيمته ثلاثون ألف دينار، ومن الزركش عشرون ألف دينار، ومن أواني البلور وتعابي القماش والخيل والسروج والجمال البخاتي ما قيمته مائتان وعشرون ألف دينار. فلما انقضت نوبة التقادم أدخله السلطان إلى الدور حتى رأى ابنته، وقبلت يده. ثم أخرج السلطان إليه جميع بناته وأمرهن بتقبيل يده، وهو يقول لهن واحدة بعد واحدة: بوسي يد عمك، ثم عين منهن اثنتين لولدي تنكز. فقبل تنكز الأرض وخرج والسلطان يحادثه.
وتقدم السلطان إلى النشو بتجهيز تنكز إلى الصعيد للصيد، ثم ركب وتوجه إلى بلاد الصعيد وتنكز معه، فكان من إكرامه له في هذه السفرة ما لا عهد من ملك مثله. فلما عاد السلطان أمر النشو بتجهيز كلفة عقد ابني تنكز على ابنتيه، وكلفة سفر تنكز إلى الشام. فأخذ النشو أموال التجار وغيرهم، وجمع أربعة عشر ألف دينار، حمل منها برسم المهر أربعة ألاف دينار وجهز تنكز باثني عشر ألف دينار. وعقد لولدي تنكز على ابنتي السلطان في بيت الأمير قوصون، بحضرة القضاة والأمراء.
ثم ولدت ابنة تنكز من السلطان بنتاً، فسجد تنكز لله شكراً بحضرة السلطان، وقال: وا لله يا خوند! كنت أتمنى أن تكون المولودة بنتاً، فإنها لو وضعت ذكراً كنت أخشى من كمال السعادة. فإن السلطان تصدق علي بما غمرني به من السعادة، فخشيت من كمالها.
وأخذ السلطان مع النشو في تجهيز تنكز على عادته، وأمره أن يضاعف له ما جرت به عادته من الخيل والتعابي، ورتب السلطان ذلك بنفسه، فكانت قيمته مائة وخمسين ألف دينار عيناً، وكان تنكز قد أقام مدة شهرين، وراتبه السلطاني في كل يوم أربعة آلاف درهم.
فلما وادع تنكز السلطان سأله في إعفاء الأمير كجكن من الخدمة، وأن ينعم عليه بسفر لؤلؤ الحلبي إلى الشام ليستقر في شد عداد الأغنام، وأن ينقل الأمير بيبرس الحاجب من حلب إلى دمشق، وأن ينعم على قرمشي بإمرة ويستقر حاجباً بدمشق عوضاً عن علاء الدين بن صبح فأجابه السلطان إلى ذلك كله، وكتب له تقليداً بتفويض الحكم في جميع المماليك الشامية بأسرها، وأن جميع نوابها تكاتبه بأحوالها، وأن تكون مكاتبته: أعزالله أنصار المقر الشريف، بعدما كانت أعزالله أنصار الجناب، وأن يزاد في ألقابه: الزاهدي العابدي العالمي كافل الإسلامي أتابك الجيوش. وأنعم السلطان على مغنية قدمت معه من دمشق بعشرة ألاف درهم، وحصل لها من الدور ثلاث بدلات زركش وثلاثون تعبيه قماش وأربع بدلات مقانع، وخمسمائة دينار، مبلغ متحصلها نحو سبعين ألف درهم. ثم كان آخر ما قال له السلطان: أيش بقى لك حاجة، أو في نفسك شيء أقضيه قبل سفرك؟ فقبل تنكز الأرض، وقال: والله يا خوند ما بقي شيء أطلبه الا أن أموت في أيامك، فقال السلطان: لا إن شاء الله. يا أمير تعيش أنت وأكون أنا فداك، أو أكون بعدك بقليل.
فقبل تنكز الأرض وانصرف، وقد حسده جميع الأمراء، وكثر حديثهم فيما حصل له من الكرامة والمعزة. واتفق ما قاله السلطان، فإنه لم يقم بعد موت تنكز إلا قليل، ومات كما سيأتي ذكره.
وفيها أنعم على الأمير يلبغا اليحياوي بالمنزلة من أعمال أشوم، فركب إليها النشو وحفر لها ترعة، وأخرق بمتولي أشوم، وألزم أقبغا السيفي متولي الغربية بمائة ألف درهم.
وفيه استقر علاء الدين علي بن الكوراني في ولاية الغربية عوضاً عن آفبغا السيفي واستقر شهاب الدين بن الأز كشي في ولاية الأشمونين عوضاً عن ابن الكوراني واستقر نجم الدين أيوب في ولاية الشرقية، عوضاً عن ابن الأزكشي.
وفي مستهل جمادى الأولى: صلى صلاة الغائب بمصر والقاهرة على قاضي القضاة جلال الدين محمد القزويني فاستقر عوضه الشميخ تقي الدين علي بن السبكي.
وفيه أخرج آقوش الزيني إلى حلب.
وفبه أخرج الأمير عز الدين أيدمر العمري إلى صهيون، وأنعم بإقطاعه على ولده أبي بكر، فأحاط النشو بموجوده، وأخذ له ثمانين ألف دينار.
وفيه قدم البريد بأن التركمان ساقوا إلى دمشق عشرين ألف رأس من الغنم ليبيعوها بالقاهرة، فلما حضرت رسم ألا يؤخذ منهم المقرر وهو أربعة دراهم الرأس يؤخذ عن كل مائة درهم خمسة دراهم. وكان التركمان قد شكوا من أزدمر والي بهنسا فكشف عنه فوجد أنه كثر ظلمه وأخذه لأموال الرعية، فأحيط بضياعه وأمواله، وأنعم ببعض ضياعه على الأمير تنكز نائب الشام، ووقف بعضها على قلعة طرندة ببلاد الروم.
وفيها قدم الشريف مبارك بن عطيفة بخيله، فسجن مع أبيه، لكثرة إفساده بالحجاز وفيها اتفق موت ابنة الأمير الكبير شمس الدين إلدكز المنصوري- زوجة الأمير ناصر الدين بن المحسني بعد عودها من طرابلس، عن بنت وأخت وزوج، فأخذ النشو جميع مخلفها، وكان شيئاً كثيراً.
وفيها مات بعض الكتاب وترك بيتاً على الخليج، فلم يجسر أحد يشتريه إلى أن قلبته ابنة الأمير قطز بن الفارقاني لتشتريه فلم يعجبها، فألزمها النشو أن تشتريه بمائة ألف درهم، فمازالت به حتى صالحها على شيء حملته وتركها.
وفيها هلك بطريق النصارى الأقباط، فنزل النشو في الكنيسة وأخذ كل ما فيها كل حاصل ذهب وفضة وشمع وغيره.
وفيها ماتت امرأة ظلظية الكاشف، وقد تزوجت بعده وخلفت ولداً ذكراً، فأخذ النشو موجودها كله بحجة أن ظلظية أخذ مال السلطان وتركه بعد موته عندها.
وفيها ظفر النشو بحلي لنساء أمين الدين قرموط، فأغري به السلطان حتى سلم ولده وصهره وأهله لوالي القاهرة.
وفيها جدد النشو الطلب على أولاد التاج إسحاق، وعوقب نساءهم حتى مات بعضهن من العقوبة.
وفيها طلب النشو المال الحاصل بالمارستان المنصوري فقام الأمير سنجر الجاولي في ذلك، حتى أن ابتيع للوقف من أراضي بهتيت من الضواحي مائتان وخمسون فداناً وأربعمائة ألف درهم، وحملت إلى النشو.
وفيها قبض على شهاب الدين أحمد بن محيي الدين يحيى بن فضل الله، في رابع عشرى شعبان. وسببه أن الأمير تنكز لما سأل السلطان أن يولي علم الدين محمد ابن القطب أحمد بن مفضل كاتب السر بدمشق، وأحابه السلطان وخلع عليه، حدث شهاب الدين السلطاني في أمره، وقال: هدا رجل قبطي لا يدري هذه الصناعة، فلم يعبأ بقوله. ثم رسم السلطان أن تكثر ألقاب علم الدين ويزاد في معلومه، فامتنع شهاب الدين من ذلك واحتد خلقه، وفاجأ السلطان بقوله كيف يكون رجل أسلمى ملته كاتب السر، وتزيد في حامكيته، ما يفلح من يخدمك، وخدمتك علي حرام، ونهض من بين يدي السلطان قائماً. فما شك الأمراء في أن السلطان يضرب عنقه، فرعى فيه حق أبيه ولم يؤاخذه. ودخل شهاب الدين على أبيه محيي الدين وعرفه ما كان منه، فخاف خوفاً شديداً، وقام مع الأمراء في ترقيع هذا الخرق، ودخل إلى السلطان فقبل الأرض وطلب العفو، فعرفه السلطان أنه لأجله حلم عليه وصفح عنه، ورسم أن يدخل ابنه علاء الدين علي في المباشرة عنه، عوضاً عن شهاب الدين. فاعتذر محيي الدين بأن ابنه علاء الدين صغير لا ينهض أن يقوم بأعباء الوظيفة، فقال: السلطان: أنا أربيه كما أعرف. فباشر علاء الدين عن أبيه إلى أن مات أبوه، وشهاب الدين منقطع بداره طول تلك المدة من الغبن.
فلما كان في يده هذه السنة شكا قاضي القضاة عز الدين بن جماعة أنه كتب توقيع لابن الأنصاري برجوعه إلى مباشرته، ورماه بقوادح. فطلب السلطان الأمير طاجار وأنكر عليه، فأحال على علاء الدين بن فضل الله أنه أعطاه قصته. فطلب السلطان علاء الدين وأنكر عليه، فاعتذر بأن أخاه شهاب بعث بها إليه فاستقبح ردها عليه فقال له السلطان: لا تكن تسمع من أخيك، فإنه نحس وما يقعد حتى أفعل به وأفعل به فلم تمض إلا أيام حتى رفع شهاب الدين قصة يشكو فيها كثرة كلفه، ويطلب الإذن بالتوجه إلى دمشق، فذكر السلطان بنفسه، وأمر به فقبض عليه، وحمل إلى القلعة. ورسم السلطان لطاجار والدوادار أن يعريه في قاعة الصاحب، ويضربه حتى يلزم بحمل عشرة ألاف دينار، أو يموت تحت العقوبة، فعندما عراه طاجار رجف فؤاده وارتعدت مفاصله، فإنه كان ترفاً ذا نعمة لم تمر به شدة قط، فكتب خطه بعشرة ألاف دينار. ووقعت الحوطة على موجوده، وأخذ له نحو خمسين ألف درهم، وباع قماشه وأثاثه وأملاكه بدمشق حتى حمل مائة وأربعين ألف درهم، وسكن الطلب منه.
وفيها وشى النشو بالأمير أقبغا عبد الواحد أن له خمسة ألاف رأس من الغنم، قدمت من بلاد الصعيد ورعت براسيم الجيزة، ومضت إلى الغربية فرعت الزرع فطلبه السلطان وأخرق به، فلولا شاء الله أن يتلطف الأمير بشتاك في أمره وألا أوقع به المكروه.
وفيها خلع على الأمير عز الدين أيدمر كاشف الوجه القبلي واستقر في كشف الوجه البحري.
وفيها أنشأ السلطان القناطر بجسر شيبين. وذلك أن بلاد الشرقية كانت لا تروى إلا من بحر أبي المنجا، وفي أكثر السنين تشرق بلاد العلو منها، مثل مرصفا وسنيت وكان للأمير بشتاك بها ناحية شرقت، فركب السلطان للنظر في ذلك وصحبته المهندسون، وكشف عدة مواضع، وكان له بصر جيد وحدس صحيح، فوقع اختياره على عمل جسر من شيبين إلى بنها العسل، وتعمر عليه قناطر لتحبس الماء، فإذا فتح بحر أبي المنجا امتلأت المخازن رجع الماء إلى هذا الجسر ووقف عليه، فوافقه المهندسون على ذلك. ورجع السلطان إلى القاهرة، فكتب إلى الأعمال بجمع اثني عشر ألف راجل وتجهيز مائتي قطعة جراريف. فلم تمض إلا أيام حتى قدم مشدو البلاد بما عليهم من الرجال، وشرعوا في العمل حتى تم في ثلاثة أشهر، وكان يصرف في كل يوم أجرة رجال وثمن كلف مبلغ أربعين ألف درهم من مال النواحي التي للأجناد. فلما كانت أيام النيل أبطل السلطان وفتح عوضه سد شيبيني، فرويت البلاد كلها، وروي ما لم يكن يروى قبل ذلك واستنجزت عدة أماكن.
وفيها قدم أمير أحمد ابن السلطان من الكرك باستدعاء، للعبه وشغفه ببعض شباب أهل الكرك، وإسرافه في العطاء لواحد منهم اسمه الشهيب، وكان جميل الصورة، وقد هام به أمير أحمد غراماً وتهتك فيه. فلم يخرج أحد من الأمراء إلى لقائه، فطلع مع بكتاش النقيب وحده، فتلقاه طاجار من باب القلة، ودخل به حتى قبل الأرض، ووقف واسعة، ثم رسم له بتقبيل اليد، ومضى إلى الدور من غير أن يقبل السلطان عليه. وأمر السلطان بعقوبة الشاب الذي كان يهواه حتى يحضر المال الذي وهبه له، فبعث أحمد إلى الأمراء بسببه حتى عفى عنه ومازال يجد في أمره إلى أن أذن له أن يدخل عليه ويقيم عنده.
وفيها أنعم السلطان على الأمير ملكتمر الحجازي بإقطاع بهادر المعزي بعد موته، وزاده النحراوية وكانت عبرتها في الشهر سبعين ألف درهم.
وفيها توجه الأمير تنكز نائب الشام من دمشق يريد بلاد سيس، لكشف البلاد التي أنعم بها عليه، فمر على حماة، ونادى بها ألا يقف أحد لملك الأمراء بقصة، ومن كانت له حاجة فعليه بصاحب حماة، وخلع على صاحب حماة. ومضى تنكز إلى حلب ودخل بلاد سيس، فأهدى إليه تكفور هدية سنية مع أخيه، فقبلها وخلع عليه، وعمر تنكز تلك الضياع بالرجال والأبقار والغلال، وعاد.
وفيها عملت أوراق بما على الدولة من الكلف، فبلغت نحو مائتين وثمانين ألف درهم في الشهر، فوفر السلطان منها ما يصرف للمباشرين والأمراء من التوابل، ووفر شيئاً من مصروف العمائر، ووفر الدجاج المرتب برسم السماط والمخافي الخاصة بالسلطان، والمخافي التي تحمل الطيور المطبوخة؟ كل يوم إلى الأمراء وعدتها سبعمائة طائر في كل يوم، فكانت جملة ما توفر في كل شهر مبلغ تسعين ألف درهم. واتفق بعد ذلك أن السلطان طلب أربعة أطيار دجاج، فكتب بها وصول من بيت المال، فاستقبح الناس ذلك، ونسب توفير ما توفر إلى النشو.
وفيها التزم النشو بتدبير الدولة، على أن يتسلم الجهات، فأجيب إلى ذلك. فطلب السلطان الشمس نصر الله وخلع عليه، واستقر به نظر الجهات عوضاً عن، وخلع على تاج الدين أحمد بن الصاحب أمين الدين عبدالله بن الغنام، واستقر به نظر الدولة، عوضاً عن العلم بن فخر الدولة، وولي استيفاء الصحبة كريم الدين أخو تاج الدين المذكور. وجلس النشو في قاعة الصاحب بالقلعة، وضرب يعقوب مستوفي الجهات بالمقارع، وألزمه بمال كثير، وألزم جميع مباشري الدولة من الكتاب والشهود والشادين بحمل معالميهم المقررة لهم عن أربعة أشهر، واحتج عليهم بأنهم أهملوا مال السلطان، فاستعاد من الجميع جوامك أربعة أشهر وقطع عليق جميع الأمراء والدواوين وبعض الخاصكية، وطلب أرباب الأموال من أهل النواح وأوقع الحوطة على موجودهم، ولم يدع من يشار إليه بغني أو زراعة إلا وألزمه بمال. حتى مشى على والي المحلة، فإنه بلغه عنه أنه جمع مالاً كثيراً فعاقبه وأخذ منه ثلاثين ألف درهم. وكتب النشو لجميع الولاة بشراء الشعير، ودفع عنه ثلاثة دراهم الأردب، وعن الحمل التبن درهماً. فشكا الجند ذلك، فلم يلتفت السلطان إليهم.
وفيها استقر المخلص أخو النشو مباشر ديوان الأمير آنوك ابن السلطان، وخلع عليه تشريف من الخزانة بألف وستمائة درهم، وجهز له حمار بألف درهم، وعدته بخمسمائة درهم.
وفيها كانت وقعة بين ابن دلغادر نائب أبلستين وبين الروم، قتل فيها خمسمائة نفس، ونهب ابن دلغادر من أموال الروم شيئاً كثيراً رد منه بعدما اصطلحا نحو عشرين ألف رأس ما بين غنم وخيل وحمال.
وفيها كثرت مصادرة النشو للناس من أهل مصر والقاهرة والوجه القبلي والوجه البحري حتى خرج في ذلك عن الحد، وادغر الناس على اختلاف طبقاتهم.
وفيها استقر زين الدين عمر بن محمد بن عبد الحاكم البلقيائي في قضاء القضاة الشافعية بحلب، عوضاً عن فخر الدين عثمان بن علي بن عثمان المعروف بابن خطيب جبرين.
وفيها استقر شهاب الدين أحمد بن فخر الدين أحمد بن قطب الدين إسماعيل بن يحيى الأنصاري المصري في كتابه السر بحلب، عوضاً عن تاج الدين محمد بن الزين خضر.
وفيها حدثت زلزلة بطرابلس في رجب، هلك فيها ستون إنساناً.
وفيها انتهت زيادة النيل ستة عشر ذراعاً وعشر أصابع، فلم ترو الأراضي كلها، وغرق كثير منها، وتحسنت أسعار الغلال، وكانت سنة كثيرة الحوادث.

.ومات فيها من الأعيان:

جمال الدين أحمد بن شرف الدين هبة الله بن المكين الإسنائي الفقيه الشافعي بإسنا وقد جاوز السبعين في شوال.
وتوفي الأديب أبو المعالي خضر بن إبراهيم بن عمر بن محمد بن يحيى الرفا الخفاجي المصري عن تسع وسبعين سنة.
وتوفي خطيب القدس زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي.
وتوفي قاضي الشافعيه بحلب فخر الدين عثمان بن زين الدين علي بن عثمان المعروف بابن خطيب جبرين الفقيه الشافعي بالقاهرة في المحرم، وله مصنفات في الفقه والأصول.
وتوفي علاء الدين علي بن بلبان الفارسي الجندي الفقيه الحنفي بالقاهرة عن أربع وستين سنة.
ومات أمير علي بن أمير حاجب، كان والي مصر، وأحد أمراء العشرات، وكانت وفاته وهو معزول، وقد عني بجمع القصائد النبوية، حتى كمل عنده منها خمسة وسبعون مجلداً.
ومات الأمير سيف الدين بهادر المعزي أحد أمراء الألوف، في ليلة الجمعة تاسع شعبان، وبلغت تركته مائة ألف دينار، أخذها النشو.
ومات علم الدين عبدالله بن كريم الدين الكبير.
ومات ناظر الجيش بدمشق فخر الدين محمد بن بهاء الدين عبد الله بن نجم الدين أحمد بن علي المعروف بابن الحلي بالقدس، وكان قد قدم إليها، فولي عوضه نظر الجيش بدمشق جمال الدين سليمان بن ريان الحلبي.
وتوفي قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد ابن عبد الكريم القزويني الشافعي بدمشق في يوم الأحد خامس عشر جمادى الآخرة، ومولده بالموصل في سنة ست وستين وستمائة.
ومات الحافظ علم الدين القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزلي بخليص وهو محرم في رابع ذي الحجة، عن أربع وسبعين سنة.
ومات الأمير علم الدين بن هلال الدولة بقلعة شيزر بعدما ولي بالقاهرة شد الخاص وشد الأوقاف وشد المارستان وشد الدواوين، وصار يضاهي الوزراء.
ومات السعيد بن الكردوش، وأخذ له النشو بعد موته خمسة عشر ألف دينار.
ومات الأمير بدر الدين بيليك المحسني بطرابلس، بعدما كان والي القاهرة.
وتوفي المؤرخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الجزري الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة.
وتوفي بدر الدين محمد بن عز الدين محمد بن عبد القادر ابن الصائغ الأنصاري الدمشقي الشافعي.